talaq matter

ذكر من جهة أن السلاح الاحتياطي لا يستعمل إلا حين تخفق كل الوسائل " السلميشبهات حول الإسلام - (1 / 116)
والزوجية نظام قائم لصالح المجتمع وصالح الزوج والزوجة على السواء، والمفروض فيه أن يحقق أقصى ما يمكن من المصالح للجميع. وحين يكون الوئام والوفاق سائدين فيه تتحقق جميع المصالح بغير تدخل القانون. ولكن حين يحدث الشقاق ينجم الضرر الذي لا يقف عند شخصي الزوجين، بل يتعداهما إلى الأطفال، وهؤلاء نواة المجتمع المقبلة التي يجب إحاطتها بحير وسائل التنمية والتهذيب.
فحين تتسبب الزوجة في هذا الضرر فمن الذي يتولى ردها إلى الصواب؟ المحكمة؟ إن تدخل المحكمة في خصوصيات العلاقة بين الزوجين إدعى إلى توسيع هوة الخلاف - الذي قد يكون هنياً وموقوتاً - وأدعى إلى إفساد هذه العلاقة لأنه يمس كرامة هذا الطرف أو ذاك علانية، فتأخذه العزة بالأثم ويتشبث بموقفه. فالمحكمة لا يجوز أن تتدخل إلا في كبريات المسائل التي تفشل فيها كل محاولة للتوفيق.
تتجدد كل دقيقة، وتنتهي من نفسها كل دقيقة، فذلك خبال لا يقدم عليه العقلاء، فضلاً عن أنه يحتاج إلى إقامة محكمة في كل بيت تعمل ليل نهار‍‍‍‍!
لا بد إذن من سلطة محلية تقوم بهذا التأديب، هي سلطة الرجل المسؤول في النهاية عن أمر هذا البيت وتبعاته. وهي تبدأ بالوعظ الجميل الذي يرد الشارد عن غيه ولا يجرح كبرياءه، فإن أفلحت هذه الطريقة كان خير، وإلا فهناك درجة أخرى أعنف من السابقة، هي الهجر في المضاجع، وهي لفتة نفسية عميقة من الإسلام لطبيعة المرأة التي تعتز بجمالها وفتنتها، وتدل بهما، حتى يؤدي ذلك أحياناً إلى النشوز. والهجر في المضاجع معناه عدم الخضوع لهذه الفتنة، مما يطامن من كبرياء الزوجة الجامحة ويردها إلى الصواب. فإذا لم تفلح جميع الوسائل، فنحن أمام حالة من الجموح العنيف لا يصلح لها إلا إجراء عنيف هو الضرب، بغير قصد الإيذاء، وإنما بقصد التأديب. لذلك نص التشريع على أنه ضرب غير مبرح.ة " الأخرى. ومن جهة ثانية أن هناك حالات انحراف نفسي لا تجدي معه إلا هذه الوسيلة.
أما في الحالات العادية التي لا تصل إلى حد المرض، فالضرب لا ضرورة له. وهو سلاح احتياطي لا غير، لا يجوز المبادرة إليه ولا الابتداء به، والآية بترتيب درجاتها تشير إلى ذلك، والرسول الكريم ينهي الرجال عن استعمال هذا الحق - إلا في الضرورة القصوى التي لا يفلح فيها شيء - ويقول لهم موبخاً: " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العير ثم يجامعها في آخر اليوم (74) ".
أما حين ينشز الزوج فالقانون مختلف: " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً، والصلح خير (75) ".
وقد يطيب لبعض الناس لأول وهلة أن يطالب بالمساواة الكاملة‍! ولكن المسألة هنا هي مسألة الواقع العملي والفطرة البشرية، لا مسألة عدالة نظرية مثالية لا تقوم على أساس. أي امرأة سوية في الأرض كلها تضرب زوجها ثم يبقى له في نفسها احترام، وتقبل أن تعيش معه بعد ذلك؟ وفي أي بلد في الغرب " المتحضر " أو الشرق المتأخر طالبت النساء بضرب أزواجهن؟
ولكن المهم أن الشرع لم يلزمها بقبول نشوز الزوج واحتماله، فأباح لها الانفصال حين لا تطيق.
* * *
في جميع الحالات السابقة رأينا:
أولاً: أن التزامات المرأة نحو الرجل ليست تحكمية، وإنما نظر فيها للمصلحة العامة التي تشمل الزوجة أيضاً بطريق مباشر أو غير مباشر.
ثانياً: أن معظم هذه الالتزامات له مقابل من نفس النوع عند الزوج. أما الحالات القليلة التي اختص فيها الرجل بلون من السلطة ليس للمرأة، فقد روعي فيها فطرة الرجل والمرأة كليهما، ولم يقصد بها إذلال المرأة ولا إهانتها.ذه السلطة منحت المرأة الحق في رفضها إذا كانت نفسها لا تقبلها، أو أحست بأن في قبولها ظلماً لها.
أما الانفصال الذي أشرنا إليه مراراً من قبل، والذي هو طريق المرأة العملي لرفض ما لا تطيق من الالتزامات، فله ثلاث سبل مختلفة:
أن تجعل المرأة عصمتها في يدها، وقد صرح بذلك الشرع وإن كان لا يتمسك به إلا القليلات من النساء، ولكنه حق لها إذا شاءت أن تستخدمه.
أو تطلب الطلاق لأنها كارهة لزوجها غير مطيقة معاشرته. وقد سمعت أن المحاكم لا تأخذ بهذا المبدأ. ولكنه مبدأ صريح أقره الرسول وعمل به، فهو جزء من التشريع، وشرطه الوحيد أن تتنازل المرأة عما تملكته بطريق الزواج، وهو شرط عادل. لأن الزوج حين يطلق زوجته يفقد كل ما ملكه إياها بالزواج، أي أن الطرف الذي يتسبب في الطلاق - سواء كان الرجل أو المرأة - يحتمل خسارة مادية مقابل فصمه لعرى الزوجية.
والطريق الثالث أن تطلب الطلاق - مع الاحتفاظ بمتاعها وأخذ النفقة - على أساس سوء المعاملة أو الإضرار. إذا استطاعت أن تثبت ذلك. والمحاكم تشدد في ذلك لعلمها أن كثيراً من القضايا التي تعرض أمامها ترجع إلى المكايدة. ولكنها تحكم بالطلاق عند ثبوت الأمر.
تلك أسلحة المرأة مقابل سلطة الرجل عليها، وهما في النهاية متكافئان.
أما من طريق لتحطيم هذا السلاح الخطر الذي يلهو به الرجل في لحطة غادرة بكيان امرأة صابرة وعش هادئ ومستقبل سعيد كان ينتظر أفراخه الصغار؟
ولا شك في وجود هذه المآسي الكثيرة التي يتحدث بها الناس. ولكن ما السبيل؟
هل نلغي الطلاق؟ وكيف نصنع في المآسي الأخرى التي تنجم من تحريم الطلاق؟ تلك المآسي التي تعرفها جيداً الدول الكاثوليكية التي لم تأخذ بمبدأ الإباحة؟ وهل يصير البيت بيتاً وأحد الطرفين أو كلاهما يكره الآخر ولا يطيق عشرته، ومع ذلك فالقيد مؤبد والخلاص مستحيل؟ أَوَ ليس هذا يؤدي إلى الجريمة؟ يتخذ الزوج عشيقة يلبي معها دوافع الجنس، والزوجة المنبوذة تتخذ نفس الطريق؟ وهل ينفع الأطفال أن ينشأوا في مثل هذا الجو الكابي الملبد بالغيوم؟ ليس المهم هو مجرد حياتهم في كنف الوالدين. ولكن المهم هو الجو الذي يعيشون فيه. وإلا فما أكثر المنحرفين والمنحرفات الذين جاء انحرافهم من حياتهم مع أبوين متخاصمين لا ينتهي لهما خصام.
يقولون: نقيد حق الرجل في الطلاق.
يعني ماذا؟ يعني أنه لا يقع الطلاق بمجرد إلقاء الرجل لكلمة الطلاق، وإنما يقع في المحكمة. والمحكمة ترسل في طلب حكم من أهله وحكم من أهلها، ويبحثون الموضوع، ويراجعون الزوج، ويعظونه ويحاولون الصلح، فلعل ذلك كله أن يرد الرجل عن غيه ويبقي على الأسرة وروابط الزوجية، فإذا لم تجد المحاولة فعند ذلك فقط ينفذ الطلاق على يد القاضي لا على يد الزوج.
ولست أجد على أي حال مانعاً من هذا الإجراء الذي ينفذ في جزء منه وصية الشرع في مراجعة الأهل ومحاولة التوفيق، وإن كنت لا أومن بجدواه في كثير، فالاحتياطات التي يريدها هؤلاء المصلحون موجودة بالفعل دون حاجة إلى محكمة. ولنفرض أنه طلقها ووقع الطلاق بنص الشرع فهل يمنع ذلك أن يقوم أهله وأهلها بالتوفيق فترد إليه في الحال بدون إجراء جديد؟ فإذا كانت المرة الثانية ووقع الطلاق أيضاً فهل يتعذر التوفيق إذا كانت هناك رغبة فيه أو فائدة في إتمامه؟ مع تأديب الزوج بعمل إجراءات جديدة ومهر جديد؟
إن الرغبة في التوفيق - حين توجد - لا تتوقف على تدخل المحكمة، وحين تكون عقيمة فماذا يملك القاضي أكثر مما يملك الأهل والأصدقاء؟
وهناك أمم " متحضرة! " لا تعيش على التشريع الإسلامي، ولا يتم الطلاق فيها إلا في المحكمة، وبعد تقديم المواعظ والإرشادات ومحاولة التوفيق، فكم بلغت نسبة الطلاق هناك؟ لقد وصلت في أمريكا إلى 40% وهي أعلى نسبة في العالم كله، بما فيه مصر التي يتهم أهلها بأنهم من هواة الزواج والطلاق!
أما المتطرفون والمتطرفات، الذين يريدون ألا يحكم القاضي للرجل بالطلاق إلا إذا ثبت ثبوتاً قاطعاً أن الزوجة هي المخطئة، وأن الحياة معها - في نظر القاضي- مستحيلة.. فأية كرامة يريدونها للمرأة من هذا السبيل؟ أية كرامة لها في أن تبقى في بيت رجل يكرهها ولا يريدها في بيته؟ ويذكرها صباح ومساء بأنه لا يرغب فيها ولا محل لها في قلبه، وينبذها ويتصل بغيرها وهي تعلم؟
أتبقى هناك للمكايدة؟ وهل هذا هدف يطلب من التشريع أن يقره؟ أو هل سبيل المكايدة الوحيد أن تبقى معه وهو راغم، وهي مسلوبة الكرامة والسلطان؟
أم تبقى لتربية الأولاد؟ أكرم للأولاد وأقوم لتربيتهم أن يكونوا منفصلين مع أمهم، من أن يكونوا ليل نهار في هذا الجو المظلم الكريه.
كلا! ليس هؤلاء المتطرفون على شيء من التوفيق
وإن المشكلة لا تحل بتغيير التشريع، الذي وضع للضرورة، ووجدت البشرية - في غير الإسلام - أنه لا معدى لها عنه ولا فكاك.
إنما تحل بالتربية، برفع المستوى الثقافي والنفسي والروحي لمجموع الشعب. بتهذيب المشاعر حتى يكون الخير هو الغالب، وتكون المودة هي الأصل في الحياة. بتعويد الرجل أن ينظر إلى علاقته الزوجية على أنها رباط مقدس لا ينبغي الإخلال بأمنه لأتفه النزوات.
والتربية طريق طويل وبطيء يحتاج إلى مجتمع يعيش بالإسلام ويحكم شريعة الله في أمره كله، ويحتاج إلى جهد دائم في البيت والمدرسة والسينما والإذاعة والصحافة والكتب والمسجد والطريق.. ولكنها مع ذلك هي الطريق الوحيد المضمون.
أما التشريع فحسبه عدالة أن يعطي الحق للطرفين، فيعطي المرأة كذلك حق الانفصال حين ترى حياتها مع الرجل لا تؤدي إلى الوفاق المنشود.

والطلاق - بعد - هو أبغض الحلال إلى الله

Comments

Popular posts from this blog

khaumar barabankwi